** رغم الثورات التي عرفتها منطقتنا العربية، و ما حملته من أفكار و توجيهات و مشاريع تغيير و انتقال ديموقراطي، إلا أن التلفزيون العربي استعصى على هذه الثورات، و عاند في الاستسلام لرياحها القوية، و أفصح بالتالي عن بلادة و تكلس، منعته من استيعاب دروس المرحلة و شروطها الجديدة.
نحن نعلم، أن الحرس القديم في الأنظمة السياسية العربية الحالية، يعتقد (خاطئا) أن التلفزيون بسحره و قوة تأثيره، سيحميه من السقوط، و سيضخ في عروقه دماء جديدة، كفيلة بمنحه صورة مغايرة، و قناعا يسمح له بلعب أدوار أخرى، للبقاء جاثما فوق صدور الأحرار و أنفاسهم، بينما يرى الأحرار من مواطني هذه المنطقة، التي عانت صنوفا من التعذيب السياسي، و الفساد الاقتصادي، و الانحلال الاجتماعي،
أن التلفزيون هو آخر جدار لهذا الحرس، و مادام الجدار تعتريه اليوم شقوق و شروخ و تآكلات داخلية، فإن الاحتماء به و من ورائه، مسألة وقت ليس إلا.
إن التلفزيون العربي من المحيط إلى الخليج، مطالب في المرحلة الراهنة، بالانخراط في مسلسل التغيير و الانتقال الديموقراطي، ليساهم بدوره في تكريس الحريات الأساسية، و تعميم حقوق الإنسان، و في إقامة العدل، و رد الأمانات، و هو بذلك ليس معنيا أبدا، بالعودة إلى مساندة خطاب الاستبداد، و نشر ثقافة الاستعباد، و التطبيل للظالم و تجاوزاته و انتهاكاتة المختلفة و المتعددة.
كما أن استمرار هذا التلفزيون في تعطيل عملية التغيير و الدمقرطة التي بدأت في سياق الثورات العربية (الدموية و تلك السلمية)، ستجعل منه شريكا قذرا في حرمان الشعوب العربية من حقها في العدل و الحرية و التنمية، و نعني هنا بطبيعة الحال أدوار الهدم التي تلعبها بعض تلفزيونات مصر و تونس و المغرب.. و حين نذكر هذه الدول بالإسم، فلأنها – دون غيرها من شقيقاتها العربية - خطت بشكل و وعي كبيرين، في اتجاه تأسيس حقيقي لدولة الحق و القانون و الحريات.
إن تلفزيون مصر – رغم شرعية الحكم و عمقه الشعبي – يراهن على العودة إلى أحضان الحكم الاستبدادي الذي ذهب وهجه بسقوط الفرعون الصغير مبارك، و يعمل بالتالي جاهدا على تمكين الفتنة من الهيمنة على المشهد السياسي و الاجتماعي المصريين، من خلال برامج تافهة، و متطاولة، و لا علاقة لها بحرية الصحافة، أو التعبير، أو التعليق، في الوقت الذي واتته الفرصة كاملة، للمساهمة في بناء دولة عصرية، يحكمها القانون، و يسودها الاستقرار، و تحركها العدالة التنموية.. أما تلفزيون تونس، فحنينه لانحلال بورقيبة، و طغيان بنعلي، و تبعية فرنسا، يبقى من أهم شعاراته المرفوعة - لحد الساعة - في وجه الحكم الشرعي المنبثق من صناديق الاقتراع، في الوقت الذي عليه فيه، أن يستثمر الاستقلال الثاني لجمهوريته، في اتجاه تطوير و تكريس قيم المواطنة، و الكرامة، و المشاركة السياسية الفعلية في الحكم و في توزيع الثروة.
لكننا في تقييمنا للتلفزيون المغربي، فإننا لا نجد ما يمكن وصفه به، لأن هذا التلفزيون ظل و منذ انطلاقته المهنية التي امتدت عقودا من الزمن، عنوانا عريضا للتخلف، و الجهل الإعلامي، و الارتهان الحضاري، و الاستبداد السياسي، و الفحش الاجتماعي، في الوقت الذي نتساءل فيه اليوم، عن هوية الذي يعمل في الخفاء و السر، من أجل منع هذا التلفزيون، من مغربته، و من أن يشبه المغاربة، و من مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها الواقع المغربي بجميع أشكاله و قطاعاته المجتمعية ؟ و من له المصلحة في أن يكون الواقع المغربي أكثر تقدما و انفتاحا و تنويرا، من تلفزيونه الغارق في التسويق للرأي الأوحد، و الوجه الأوحد، و الخبر الأوحد، و التوجيه الأوحد..
لذا نناشدكم الله أن تطلقوا سراح هذا التلفزيون، و تدعوه يستلهم من الثورة روحها، و من الإنسان المغربي حماسه و عزته و كبرياءه الحضاري.